فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وجملة: {كأنما يساقون إلى الموت} في موضع الحال من الضمير المرفوع في {يجادلونك} أي حالتهم في وقت مجادلتهم إياك تشبه حالتهم لو ساقهم سائق إلى الموت، والمراد بالموت الحالة المضادة للحياة وهو معنى تكرهه نفوس البشر، ويصوره كل عقل بما يتخيله من الفظاعة والبشاعة كما تصوره أبو ذؤيب في صورة سَبُع في قوله:
وإذا المنية أنشبت أظفارها

وكما تخيل، تأبط شرًا الموت طامعا في اغتياله فنجا منه حين حاصره أعداؤه في جحر في جبل:
فَخَالطَ سَهْلَ الأرض لم يكدح الصفا ** به كَدْحةً والموتُ خزيانُ يَنظر

فقوله تعالى: {كأنما يساقون إلى الموت} تشبيه لحالهم، في حين المجادلة في اللحاق بالمشركين، بحال من يجادل ويمانع من يسوقه إلى ذات الموت.
وهذا التفسير أليق بالتشبيه لتحصل المخالفة المطلقة بين الحالة المشبهة والحالة المشبه بها، وإلا فإن أمرهم بقتال العدو الكثير العَدد، وهم في قلة، إرْجاء بهم إلى الموت إلا أنه موت مظنون، وبهذا التفسير يظهر حسن موقع جملة: {وهم ينظرون} أما المفسرون فتأولوا الموت في الآية بأنه الموت المتيقن فيكون التخالف بين المشبه والمشبه به تخالفًا بالتقييد.
وجملة: {وهم ينظرون} حال من ضمير {يساقون} ومفعول {ينظرون} محذوف دل عليه قوله: {إلى الموت} أي: وهم ينظرون الموتَ، لأن حالة الخوف من الشيء المخوف إذا كان منظورًا إليه تكون أشد منها لو كان يعلم أنه يساق إليه ولا يَراه، لأن للحس من التأثير على الإدراك ما ليس لمجرد التعقل، وقريب من هذا المعنى قول جعفر بن عُلْبَةَ:
يَرى غمراتِ الموت ثم يزورها

وفي عكسه في المسرة قوله تعالى: {وأغرقنا آل فرعون وأنتُم تنظرون} [البقرة: 50]. اهـ.

.قال الشعراوي:

{يُجَادِلُونَكَ فِي الحق}، أي يجادلونك في مسألة الخروج لملاقاة النفير، بعد ما تبين لهم الوعد الحق من الله عز وجل وهو وعده سبحانه وتعالى بأن تكون لهم إحدى الطائفتين، وهما طائفة العير أو النفير الضخم الذي جمعته قريش لملاقاتهم. وما دام الحق قد وعدكم إحدى الطائفتين، فلماذا لا تأخذون الوعد في أقوى الطوائف؟ لماذا تريدون الوعد في أضعف الطوائف؟! لقد وعدكم الحق سبحانه وتعالى أن إحدى الطائفتين ستكون لكم، فكان المنطق والعقل يؤكدان أنه ما دام قد وعدنا الله عز وجل إحدى الطائفتين، فلنقدم إلى الأنفع للإسلام والحق الذي نحارب من أجله، وأن نواجه الطائفة ذات القوة والشوكة والمنعة؛ لأنه قد يكون من الصحيح أن النصر مؤكد على طائفة العير، لكن هذا النصر سيبقى من بعد ذلك مجرد نصر يقال عنه! إنه نصر لقطاع طريق، لا أهل قضية إيمان ودين.
ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ الله إِحْدَى الطائفتين أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشوكة تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ الله أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكافرين} [الأنفال: 7].
فالمنطق إذن يفرض أن الله عز وجل ما دام قد وعد رسوله صلى الله عليه وسلم بإحدى الطائفتين، طائفة في عير والأخرى في نفير، كان المنطق يفرض إقبال المؤمنين على مواجهة الطائفة القوية؛ لأن النصر على النفير هو أشرف من النصر على طائفة العير.
{يُجَادِلُونَكَ فِي الحق بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الموت وَهُمْ يَنظُرُونَ}.
ونلحظ أن هناك سوق، وهناك قيادة، والقيادة تعني أن تكون من الأمام لتدل الناس على الطريق، والسوق يكون من الخلف لتحث المتقدم أن يقصر المسافة مع تقصير الزمن، فبدلًا من أن نقطع المسافة في ساعة- على سبيل المثال- فنقطعها في نصف ساعة.
وقوله تعالى: {يُسَاقُونَ إِلَى الموت وَهُمْ يَنظُرُونَ} [الأنفال: 6].
أي أنهم غير منجزين للسير. بل هم مدفوعون إليه دفعًا، وهم ينظرون بشاعة الموت، لأنهم تصوروا أن مواجهتهم لألف فتى من مقاتلي قريش مسألة صعبة، فألف أمام ثلاثمائة مسألة ليست هينة؛ لأن ذلك سيفرض على كل مسلم أن يواجه ثلاثة معهم العدة والعتاد، فكأن الصورة التي تمثلت لهم صورة بشعة، لكنهم حينما نظروا هذه النظرة لم يلتفتوا إلى أن معهم ربّا ينصرهم على هؤلاء جميعًا. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6)}
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة وبلغه أن عير أبي سفيان قد أقبلت فقال ما ترون فيها لعل الله يغنمناها ويسلمنا، فخرجنا فلما سرنا يومًا أو يومين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتعادّ ففعلنا، فإذا نحن ثلثمائة وثلاثة عشر رجلًا، فأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بعدّتنا، فسر بذلك وحمد الله وقال: عدة أصحاب طالوت. فقال: ما ترون في القوم فانهم قد أخبروا بمخرجكم؟ فقلنا: يا رسول الله لا والله ما لنا طاقة بقتال القوم إنما خرجنا للعير، ثم قال: ما ترون في قتال القوم؟ فقلنا مثل ذلك، فقال المقداد: لا تقولوا كما قال أصحاب موسى لموسى {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون} [المائدة: 24] فأنزل الله: {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقًا من المؤمنين لكارهون} إلى قوله: {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم} فلما وعدنا الله إحدى الطائفتين- اما القوم واما العير- طابت أنفسنا، ثم إنا اجتمعنا مع القوم فصففنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أنشدك وعدك. فقال ابن رواحة: يا رسول الله إني أريد أن أشير عليك- ورسول الله أفضل من أن نشير عليه- إن الله أجل وأعظم من أن تَنْشُدَهُ وعده. فقال: يا ابن رواحة لأنْشُدَنَّ اللهَ وعده فإن الله لا يخلف الميعاد، فأخذ قبضة من التراب فرمى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوه القوم فانهزموا، فأنزل الله: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} [الأنفال: 17] فقلنا وأسرنا. فقال عمر: يا رسول الله ما أرى أن تكون لك اسرى، فانما نحن داعون مؤلفون؟ فقلنا معشر الأنصار: انما يحمل عمر على ما قال حسد لنا. فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ، ثم قال: ادعو إلي عمر فدعي له، فقال له: إن الله قد أنزل عليَّ {ما كان لنبي أن تكون له أسرى} [الأنفال: 56] الآية.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن مردويه عن محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي عن أبيه عن جده قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، حتى إذا كان بالروحاء خطب الناس فقال: كيف ترون؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله بلغنا انهم كذا وكذا، ثم خطب الناس فقال: كيف ترون؟ فقال عمر مثل قول أبي بكر، ثم خطب الناس فقال: كيف ترون؟ فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله ايانا تريد؟ فوالذي أكرمك وأنزل عليك الكتاب ما سلكتها قط ولا لي بها علم ولئن سرت حتى تأتي برك الغماد من ذي يمن لَنَسيرَنَّ معك، ولا نكونَنَّ كالذين قالوا لموسى {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون} [المائدة: 24] ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا انا معكم متبعون، ولعلك أن تكون خرجت لأمر وأحدث الله إليك غيره، فانظر الذي أحدث الله إليك فامض له، فصل حبال من شئت، واقطع حبال من شئت، وعاد من شئت، وسالم من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت. فنزل القرآن على قول سعد {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق} إلى قوله: {ويقطع دابر الكافرين} وإنما رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غنيمة مع أبي سفيان فأحدث الله إليه القتال.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق} قال: كذلك أخرجك ربك إلى قوله: {يجادلونك في الحق} قال: القتال.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق} قال: خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر {وإن فريقًا من المؤمنين لكارهون} قال: لطلب المشركين {يجادلونك في الحق بعدما تبين} انك لا تصنع إلا ما أمرك الله به {كأنما يساقون إلى الموت} حين قيل هم المشركون.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: لما شاور النبي صلى الله عليه وسلم في لقاء العدوّ، وقال له سعد بن عبادة ما قال وذلك يوم بدر، أمر الناس فتعبوا للقتال وأمرهم بالشوكة، فكره ذلك أهل الايمان، فأنزل الله: {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق} إلى قوله: {وهم ينظرون} أي كراهية لقاء المشركين.
وأخرج البزار وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه وابن عساكر عن عبد الرحمن بن عوف قال: نزل الإِسلام بالكره والشدّة فوجدنا خير الخير في الكره، خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة فأسكننا سبخة بين ظهراني حرة فجعل الله لنا في ذلك العلا والظفر، وخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر على الحال التي ذكر الله: {وإن فريقًا من المؤمنين لكارهون} إلى قوله: {وهم ينظرون} فجعل الله لنا في ذلك العلا والظفر فوجدنا خير الخير في الكره.
وأخرج ابن جرير عن الزبيري قال: كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر {كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون} خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العير. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {بَعْدَ ما تبيَّن}
منصوب بالجدال، وما مصدرية، أي: بعد تَبينِهِ ووضوحه، وهو أقبحُ من الجدال في الشَّيء قبل إيضاحه.
وقرأ عبد الله: {بُيِّن} مبنيًا للمفعول من: بَيَّنتُهُ أي: أظهرته، وقوله: {وهُمُ ينظرُونَ} حالٌ من مفعول يُساقُونَ. اهـ. باختصار.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6)}
جحودُ الحقِّ بعد وضوح برهانه عَلَمٌ لاستكبار صاحبه، وهو- في الحال- في وحشة غَيِّه، مُعَاقَبٌ بالصِّد وتَنعُّص العَيْشِ، يَملُّ حياتَه ويتمنى وفاتَه؛ {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى المَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ}. اهـ.

.تفسير الآية رقم (7):

قوله تعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما لانوا بهذا الخطاب، وأقبلوا على الملك التواب، أقبل عليهم فقال: {وإذ} أي اذكروا هذا الذي ذكره الله لكم وقد كان حالكم فيه ما ذكره، ثم أفضى إلى سعادة عظيمة وعز لا يشبهه عز، واذكروا إذ {يعدكم الله} أي الجامع لصفات الكمال {إحدى الطائفتين}: العير أو النفير، وأبدل من الإحدى- ليكون الوعد بها مكررًا- قوله: {أنها لكم} أي فتكرهون لقاء ذات الشوكة {وتودون} أي والحال أنكم تحبون محبة عظيمة {أن غير ذات الشوكة} أي السلاح والقتال والكفاح الذي به تعرف الأبطال ويميز بين الرجال من ذوات الحجال {تكون لكم} أي العير لكونها لم يكن فيها إلا ناس قليل، يقال: إنهم أربعون رجلًا، جهلًا منكم بالعواقب، ثم تبين لكم أن ما فعله الله خير لكم بما لا يبلغ كنهه، فسلموا له الأمر في السر والجهر تنالوا الغنى والنصر، وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير العاصمي في مناسبة تعقيب الأعراف بهذه السورة ومناسبة آخر تلك لأول هذه ما نصه: لما قصَّ سبحانه على نبيه صلى الله عليه وسلم في سوة الأعراف أخبار الأمم، وقطع المؤمنون من مجموع ذلك بأنه لا يكون الهدى إلا بسابقة السعادة، لافتتاح السورة من ذكر الأشقياء بقصة إبليس وختمها بقصة بلعام، وكلاهما كفر على علم ولم ينفعه ما قد كان حصل عليه، ونبه تعالى عباده على الباب الذي أتى منه على بلعام بقوله سبحانه: {ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه} فأشار سبحانه إلى أن اتباع الأهواء أضل كل ضلال، نبهوا على ما فيه الحزم من ترك الأهواء جملة فقال تعالى: {يسألونك عن الأنفال} [الأنفال: 1] الآية، فكان قد قيل لهم: اتركوا ما ترون أنه حق واجب لكم، وفوضوا في أمره لله وللرسول، فذلك أسلم لكم وأحزم في ردع أغراضكم وقمع شهواتكم وترك أمور ربكم وقد ألف في هذه الشريعة السمحة البيضاء حسم الذرائع كثيرًا وإقامة مظنة الشيء مقامه كتحريم الجرعة من الخمر والقطرة، والخطبة في العدة واعتداد النوم الثقيل ناقضًا، فهذه مظان لم يقع الحكم فيها على ما هو لأنفسها ولا بما هي كذا، بل بما هي مظان ودواع لما منع لعينه أو استوجب حكمًا لعينه وعلته الخاصة به، ولما أمر المسلمون بحل أيديهم عن الأنفال يوم بدر إذ كان المقاتلة قد هموا بأخذها وحدثوا أنفسهم بالأنفراد بها ورأوا أنها من حقهم وأن من لم يباشر قتالًا من الشيوخ ومن انحاز منه لمهم فلا حق له فيها، ورأى الآخرون أيضًا أن حقهم فيها ثابت لأنهم كانوا فيه للمقاتلين عدة وملجأ وراء ظهورهم، كان ما أمرهم الله به من تسليم الحكم في ذلك إلى الله رسوله من باب حسم الذرائع لأن تمشية أغراضهم في ذلك- وإن تعلق كل من الفريقين بحجة- مظنة لرئاسة النفوس واستسهال اتباع الأهواء، فأمرهم الله بالتنزه عن ذلك والتفويض الله ولرسوله فإن ذلك أسلم لهم وأوفى لدينهم وأبقى في إصلاح ذات البين وأجدى في الأتباع {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} [الأنفال: 1] الآية، ثم ذكروا بما ينبغي لهم يلتزموا فقال تعالى: {إنما المؤمنون} [الأنفال: 2]- إلى قوله: {زادتهم إيمانًا} [الأنفال: 2] ثم نبهوا على أن أعراض الدنيا من نفل أو غيره لا ينبغي للمؤمن أن يعتمد عليه اعتمادًا يدخل عليه ضرارًا من الشرك أو التفاتًا إلى غير الله سبحانه بقوله: {وعلى ربهم يتوكلون} ثم ذكروا بما وصف به المتقين من الصلاة والإنفاق ثم قال: {أولئك هم المؤمنون حقًا} تنبيهًا على أن من قصر في هذه الأحوال ولم يأت بها على كمالها لم يخرج عن الإيمان ولكن ينزل عن درجة الكمال بحسب تقصيره، وكان في هذا إشعار بعذرهم في كلامهم في الأنفال وأنهم قد كانوا في مطلبهم على حالة من الصواب وشرب من التمسك والأتباع، ولكن أعلى الدرجات ما بين لهم ومنحوه، وأنه الكمال والفوز، ثم نبههم سبحانه بكيفية أمرهم في الخروج إلى بدر وودهم أن غير ذات الشوكة تكون لهم وهو سبحانه يريهم حسن العاقبة فيما اختاره لهم، فقد كانوا تمنوا لقاء العير، واختاروا ذلك على لقاء العدو ولم يعلموا ما وراء ذلك.